ماذا بعد اتفاق مكة؟؟

18 06 2007

hamasmichaalmilitariserenfant.bmp

كنت أتابع اتفاق مكة بأسف كبير على ما وصلت إليه النخب السياسية العربية من تسطيح في الممارسة السياسية. وكنت أعلم علم اليقين أن توقيع الاتفاق في أرض طيبة مقدسة لن يضيف شيئا للقضية ولكنه حتما سيزيد من استهانة المسلمين بالمقدسات وامتهان الحرمات.

ترى بعد أن فشل اتفاق مكة هل ثمة أمل في أن تنجح اتفاقات أخر في أماكن أقل قداسة؟ لقد نسي الذين استبشروا بقدسية المكان ونسوا المعطيات الواقعية أن الذين جاؤوا يستظلون بالحرم المقدس لحقن الدماء جاؤوا متقاتلين من حرم مقدس آخر وهو أرض الإسراء؟ لن نلقي محاضرات في العمل السياسي ولكننا سنذكر بجملة من مبادئه وأبجدياته :

المبدأ الأول: السياسة فن إدارة الخلاف بوسائل سلمية وإذا لم تنجح السياسة فلا محالة من الحرب والصراع والحسم بالقوة.

المبدأ الثاني: النيات الطيبة لا تكفي في العمل السياسي ولهذا فالبسملة والدعاء والمكان المقدس أمور لا تكفي إن لم تمارس السياسة بمعطيات الواقع وإكراهاته.

المبدأ الثالث: بين السياسة والقذارة والسفالة شعرة رقيقة فإذا قتل الأبرياء ومزق الوطن من أبنائه فهي القذارة بلا شك وهي الضآلة والهوان والمصيبة.

طيب ما الذي غاب عن اتفاق مكة لكي ينقض هذا النقض الذريع وتنتهك حرمات الدم الفلسطيني وتشوه القضية المقدسة الأولى للمسلمين بل ولأحرار العالم المتمدن والمتحضر؟

الجواب عن هذا السؤال لا يحتاج إلى كبير تنقيب لقد التقى أبو مازن (رئيس فتح ورئيس السلطة) مع كل من خالد مشعل (رئيس مكتب حماس) وإسماعيل هنية (ممثلا لحماس في الحكومة وممثلا منتخبا عن الشعب الفلسطيني) فكان الغائب الفعلي عن اللقاء هو الصراحة والوضوح والمعطيات وبرزت للواجهة خطابات المجاملة والوعود الطيبة والتي لا يمكن بحال أن تقيم عملا سياسي

لقد كان الغائب الأول عن لقاء مكة هو المحاسبة فلقد تسبب الاقتتال بين حماس وفتح حينها في قتل الأبرياء من أطفال مدارس وشيوخ ولم نسمع مشعل ولا هنية ولا عباس يقدمون عناصرهم للمحاكمة بل ولم نسمع اعتذارا من حماس ولا فتح للأسر المفجوعة والتي ذهب أبناؤها برصاص فلسطيني فلم تشمخ بشهادة (وهم كذلك إن شاء الله) ولم تحظ بفرصة للحياة. لم يحاسب الجناة بل رأيناهم يخطبون ويتكلمون ويسافرون وكأن شيئا لم يقع. لقد أكد هذا الواقع لدينا بان التيارات الإسلامية والقومية في العالم العربي تعكس مستوى الوعي بحقوق الإنسان وكرامته داخل المنظومة الفكرية العربية. ترى هل يمكن للجلاد ان يجد حلا لضحيته سوى الذبح؟ فليبشر الشعب الفلسطيني بالذبح فهو قادم.

إننا نتصور أن خالد مشعل وهنية قد فقدا فعلا السيطرة على المسلحين في قطاع غزة وسواء أراد مشعل ام كره فإن القيادة الميدانية لم تعد مرتبطة ارتباطا وثيقا بقيادتها والدليل على ذلك المعطيات الآتية:

تثبيت أعلام حماس على مقرات السلطة الفلسطينية كمبنى المخابرات ومقر الأمن الوقائي وهي عملية ساذجة ستفقد حماس العمق الوطني وتبعد عنها الفصائل المحايدة والتي لن ترى في العملية سوى استعراض للقوة من قبل حماس ورغبتها في السيطرة على مصير الشعب الفلسطيني كله وكأن سذاجة الحمساويين تقول إن الوطن هو حماس وحماس هي الوطن. لقد أظهرت عملية تثبيت الأعلام أن الذين قاموا بالهجوم لا يتمتعون بدرجة كبيرة من الوعي السياسي ولا تؤطرهم رؤية سياسية متكاملة واستبعد أن يكون مشعل أو هنية وراء الإذن بالهجوم لما يتمتع به الرجلان من حكمة ووعي سياسيين وإن كانت تنقصهما الشجاعة والصراحة اللازمتين لإعلان نقد ذاتي ومد اليد لحركة فتح وللرئيس أبو مازن من جديد ولو اقتضى ذلك القطع مع العناصر المتمردة من المسلحين.

توجد شهادات ميدانية تثبت انتهاك المسلحين لممثلية الوفد الأمني المصري حيث تحدث رئيس الوفد الامني المصري برهان حماد للمسلحين بان رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل منحه كلمة لحماية من يلجأون الى مكتب الممثلية، لكن المسلحين ردوا قائلين انهم لا يأخذون اوامرهم من مشعل بل من قيادتهم في قطاع غزة. والواضح أن القيادة السياسية لحماس ليس من مصلحتها قطعا توتير العلاقة مع مصر والتي كانت دائما محضنا لحماس وباقي الفصائل الفلسطينية رغم ميل مصري لتصورات فتح وقيادتها ممثلة بأبي مازن

إن الأيام القليلة المقبلة ستبرز التناقضات الداخلية لحركة حماس وخصوصا إذا طال أمد سيطرتها على غزة. وإذا أرادت حماس أن تفوت الفرصة على أعدائها وتلملم خلافاتها الداخلية قبل أن تتفاقم فعلى قادتها السياسيين الاعتراف بالمأزق الذي وصلت إليه الأوضاع وعدم مقابلة اقتراح أبي مازن بتكوين حكومة طواريء برد ساذج وغريب وهو أن الحكومة ماضية في تسيير شؤونها وكأن شيئا لم يقع؟؟ إن الرد السياسي الناضج هو الاعتراف بخطورة الوضع والسعي لراب الصدع عن طريق الدعوة إلى انتخابات استثنائية محلية وتشريعية وإذا تأكدت حماس بأن الشعب ما زال معها رغم كل ما حصل فإن حكومة الطواريء ستكون حكومة مؤقتة وسيكون الشعب الفلسطيني هو الذي يختار حكومته من جديد.

لقد بينت الأحداث المؤسفة في غزة والضفة سذاجة الخطاب السياسي لحماس، فمشعل بدل أن يبكي دما على الأرواح المزهقة والمستوى السافل الذي وصل إليه الفلسطينيون تراه مبتسما في مؤتمره الصحفي بدمشق واثقا من نفسه يرسل نظرات من عل للحاضرين. ولم يتذكر الرجل الفاضل والرحيم سوى جونستون الرهينة الإنجليزي ليطالب بإطلاق سراحه؟؟؟ وعشرات القتلى يا سيد مشعل من لهم ليبكيهم؟ وهل السيد حونستون أولى من أولئك المساكين الضيع؟

ومن أغرب ما رايت أن السيد مشعل يعترف بشرعية عباس؟؟؟ بعد ان دخل مسلحوه إلى مؤسسات الدولة وعاثوا فيها فسادا وأعدموا وروعوا وقتلوا وسجنوا فأي شرعية تؤمن بها يا سيد مشعل؟ وهل يمكن للرئيس الفلسطيني أن يلتقي بك بعد هذا وانت ماض في تبريرك لما فعله مسلحوك بالشرعية والمؤسسات؟؟

تقدم لنا حماس تبريرا لما حدث :

تقول إن في فتح تيارا صهيونيا أمريكيا وجب الضرب على يديه لتنظيف البيت الداخلي. طيب لنفرض أن هذا الكلام صحيح فمن الذي لديه الحق في أن يصدر الحكم ؟ حماس ؟ أم مؤسسات الدولة الفلسطينية بما في ذلك المجلس التشريعي الذي تتغلب فيه حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تضم فصائل متعددة بعضها على شقاق مع فتح بل وفتح نفسها والتي اوجع مشعل آذاننا بمجاملاته الفارغة بأن في فتح شرفاء ووطنيين. لماذا لم تستطع حماس وهي في الحكومة أن تقنع كل هذه المؤسسات الشرعية وتستصدر منها إذنا بالتعامل مع الخونة الأشرار والمتصهيننين ؟؟

طيب وإذا كان الرئيس الفلسطيني والذي يتودد له مشعل راضيا على الجنرال دحلان والذي هو في نظر حماس رأس الفتنة فهل يخرج مشعل للوضوح ويعلن حربه على مؤسسة الرئاسة أيضا؟ ما هذا التناقض المخجل للخطاب الحمساوي؟؟؟ تحارب دحلان وتتودد لولي نعمته؟

إن تعامل الرئيس الفلسطيني مع كل الأطراف من دحلان إلى مشعل وإشرافه على انتخابات نزيهة اوصلت حماس إلى الحكومة وإشرافه على حكومة الوحدة الوطنية وتحمله الواضح للحصار الدولي على الشعب الفلسطيني لدليل على أن الرجل وطني جامع ولهذا لا يمكن لحماس أن تنتظر من الرئيس الانخراط في مشروعها ضد دحلان كما أنه لم يثيت أنه متوافق مع دحلان في تصوره عن طبيعة التعامل مع حماس. طبعا قد يكون دحلان في هذه المرحلة مقربا لأسرائيل أي أن إسرائيل تفضله على غيره وقد يكون قريبا من إدارة بوش ولكن هذا لا يمكن أن يكون دليلا على لا وطنيته فقد نعت السيد ياسر عرفات بمثل هذه النعوت ولم تقصر حماس في التشهير به والغمز في وطنيته فقط لأنه اختار طريقا آخر لتحرير الأرض غير التي تراها حماس.

ترى ما الذي ستقوله حماس لو هجمت فتح على مقراتها متهمة مشعل مثلا بانه سوري الهوى وإيراني القبلة؟ الا يفهم الحمساويون أنهم حين يطبقون القانون بايديهم يسنون سنة خطيرة عليهم وزرها ووزر من عمل بها بحيث كلما قوي فصيل طبق القانون باسنة الحراب والعجيب أنهم بمقربة من دولة فيها كل التناقضات والاتجاهات ومع ذلك فإنها تحسم خلافاتها بالمؤسسات. إننا لا نتصور قطعا أن تقوم حرب اهلية في إسرائيل في الغد المنظور لأنها دولة مؤسسات ومهما عادينا إسرائيل في أيديولوجيتها وشرعية وجودها فإنها دولة تحترم مواطنها وهو ما فشل الفلسطينيون فيه.

 

الدكتور المصطفى تاج الدين، قسم الإنجليزية والترجمة جامعة ظفار، سلطنة عمان.

المصدر:

http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=1879


Actions

Informations



Laisser un commentaire




rednoize propaganda |
La vie d'une copropriété |
DES BOUTS DE NOUS... |
Unblog.fr | Annuaire | Signaler un abus | humanisons la terre
| boit du rouge, broie du noir
| A la Recherche de Soi