الإثارة والاستجابة في سلوك أتباع الصحابة
17092012
بقلم : محمد اللوزي
أكاد أجزم أن منتجي فيلم « براءة المسلمين » كانوا يعلمون مسبقا طبيعة و حجم ردود الأفعال، التي ستنتج عن تسريبهم لبعض المقاطع من عملهم عبر الانترنيت. بل إنني أدعي أن هذا التسريب مقصود لذاته و مندرج ضمن خطة تسويقية لمنتوجهم، حتى يكتب له النجاح. و يعزى ذلك في نظري إلى قدرة القوم على تكهن سلوك المعنيين في لحظة معينة، و على رغبتهم في اقتناص عنف تلك اللحظة بالذات، من أجل إتمام تصوير المشاهد الأخيرة لسيناريو الفيلم، حتى تكتمل الصورة، و يستشهد المنتجون على صوابية مقدمة الفيلم و واقعية فصوله، بالاعتماد فقط على المشاهد العنيفة التي ينتجها بالفعل « أتباع الصحابة » اليوم، هنا و هناك … و كذلك كان.
في نهاية القرن التاسع عشر، حوالي عام 1889 م، قام الروسي إيفان بافلوف في مختبره بتجربة مثيرة على مجموعة كلاب، ليخلص بعدها إلى صياغة نظريته المعروفة بالاشتراط الكلاسيكي. برهن خلالها ان بإمكاننا تعويد كلب ما على إسالة لعابه بمجرد سماع رنة الجرس حتى من دون تقديم الطعام له. المعلوم عندنا ان كل كلاب الدنيا يسيل لعابها حين ترى الطعام … و ليس الكلاب فقط. الجديد في تجربة بافلوف أنه استطاع ان يوجه سلوك كلاب مختبره بالتحكم في عملية إسالة لعابهم (الاستجابة) عن طريق رنة الجرس فقط (الإثارة). و ذلك بعدما استطاع لمرات الربط بين لحظة تقديم الطعام و الضغط على زر الجرس. حتى إذا ما تعودت الكلاب على حضور الطعام حال رنين الجرس، قام بافلوف بالضغط على الزر دون تقديم الطعام … و كانت النتيجة أن الكلاب سال لعابها لمجرد سماع الرنين.
أعلم أن الكلب نجس عند « أتباع الصحابة »، إذ نجّسه كبيرهم صاحب الهريرة في حديث ذو شجون … إلا أن التجربة البافلوفية التي أجريت عليه تنفعنا اليوم في مقاربة و فهم استجابة « أتباع الصحابة » للإثارة المقصودة، التي أحدثها فيلم « براءة المسلمين ». و هي استجابة بافلوفية محضة تتكرر كل موسم و عام، فيسيل لعابهم، و تنتفخ أوداجهم، و تفور دماءهم، و تزمجر خطب شيوخهم -الصالحين جدا – بالويل و اللعن و الثبور على أربعة أخماس العالمين، و يغضب شيخهم الفضائي، و تتحول مسيراتهم و تظاهراتهم إلى حرق و هدم و سلب و قتل … وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا. كل ذلك يقع تحت مرأى و مسمع العالمين، الذين قد لا يشاهد أكثرهم « براءة المسلمين » لركاكة إخراجه ربما، لكنهم يشاهدون بامتعاض و تقزز عنف « أتباع الصحابة » … على الهواء مباشرة.
يحكى أن كلبة في الجاهلية كانت تدعى « براقش » … وذات يوم أغارت قبيلة غازية على قبيلتها الضعيفة التي استنجدت بواد للاختباء فيه، في صمت الليل، حتى لا يعلم الغازون مكانهم … إلا أن « حكمة » براقش الكلبية جعلتها تنبح و تعوي – (الإثارة) – رغم أن قومها حاولوا إسكاتها إلى أن افتضح أمرهم، و غار عليهم الغازون، و قضوا عليها و عليهم أجمعين – (الاستجابة) – … و لذا قيل : على نفسها و على أهلها جنت براقش … براقش كانت كلبة مبرمجة على النباح حين الاحساس بالخطر، ككل كلاب الدنيا و إلا فإنها لا تستحق لقب كلبة. لكن استجابتها الطبيعية أثارت الغازين فقضوا عليها و عليهم … « أتباع الصحابة » مبرمجون، نتيجة لطبيعة ارتباطهم الغوغائي و فهمهم الدوغمائي للدين على الاستجابة العنيفة لكل الإثارات المقصودة و غير المقصودة … استجابة تأتي على الأخضر و اليابس … استجابة تجعل أمريكا تجيش بارجتين حربيتين للرباط في شواطئ ليبيا للثأر من « أتباع الصحابة » الثائرون الذين قتلوا سفيرها و أعضاء مسالمين من سلكها الديبلوماسي … كلهم يلعن أمريكا، و أمريكا قاعدة … فإذا ما قعدوا، تنهض أمريكا لتبني قاعدة … لافتة من روائع أحمد مطر لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد.
بل إن « أتباع الصحابة » في استجابتهم البافلوفية، يأسرون الإسلام … يخنقون كل شيء جميل فيه … يوظفونه لتجييش العواطف و تـاجيج نيران الكراهية بين الناس … يستغلونه لتعبئة الجماهير و حشرها زمرا في خندق التدين بالعنعنة الملعون … يستثمرونه لكسب المقاعد و استجداء أصوات البؤساء في مواسم السياسة … لتحويل أعين البسطاء عن مطالب العدل و الخبز إلى قضايا هوية دينية مزعومة … فإلى متى الصمت ؟
نعم … إن « أتباع الصحابة » و شيوخهم و مثقفيهم و سياسييهم و أحزابهم، يتحملون مسؤولية تاريخية في الإساءة المستمرة للإسلام و لأنبياء الإسلام، و للأحرار من المؤمنين و المومنات بلا حدود، برسالة الإسلام الإنسانية المفتوحة في وجه الجميع … إساءة تحرف الكلم الطيب عن مواضعه لتجعل مكانه كلاما خبيثا، ركيكا، لئيما، ميتا بل قاتلا … إساءة تفرغ دين الله الحي القيوم من محتواه لتملأه بأقوال الأموات من السابقين و سابقيهم بإكراه إلى يوم الدين … إساءة تغض النظر عمدا، مع سبق الاصرار و الترصد، عن روايات صاحب الهريرة المقدس و حزبه الأموي، مما تعج بها كتب الصحاح – زعموا – و المسانيد و التفاسير و الحواشي و حواشي الحواشي … إساءة تنسب للرسول الكريم أقوالا و أفعالا مناقضة لصريح القرآن الكريم و لهديه … و لاغرابة حين يؤكد منتج « براءة المسلمين » – و هو محقّ في ذلك إلى حد بعيد – أن سيناريوهات فيلمه اقتبسها من كتب الصحاح و من مضانّ التراث الإسلامي المعتمدة، التي اختلط فيها الحابل بالنابل … و التوحيد بالشرك … و الفضيلة بالرذيلة … و الكلم الطيب بالكلام الخبيث … و فقه كعب الاحبار بقفه الشافعي … و نزوات بن صخر الدوسي بالإرهاصات العقلية لمحمد بن عبد الله … فإلى متى الصمت؟
Catégories : Actualites, Religion, Societe
Commentaires récents